هل تعرف عن محبة الأب؟!
اليوم في الصباح الباكر تلقيت رسالة من أحد الأصدقاء على صفحة (فيس بوك) كان فيها المقال عن محبة الأم، والسؤال عن محبة الأب؟
بما أنني عشت في كنف الأب أكثر فعزمت أن أجيب عن سؤال محبة الأب، لأن الأم منذ أن خلق الإنسان وتعلم الكتابة يكتب عنها، أما الأب فلا أظن أن الأب أيضا كتب عنه المقال والعبارة، وكيف به أن يصف محبته وعظمته!؟
أما محبة الأم فمنذ النشأة الأولى إلى أخر رمق حياة المولود تبقى محبتها في نطاق واحد، وهو إسدال ستار المحبة على عيوب الولد دوما، في صغره إن لعق التراب فأسدلت ستار المحبة لتصنيه من ضرب الأب، ولو رسب أو فشل في الدراسة في شبابه فأرخت ستار المحبة على كشف النتيجة لتنجيه من سخط الأب، وهكذا دواليك مهما ازدادت آثام وجنايات الولد مع ارتكاب الذنوب والجرائم أخفت جرائمه وآثامه وراء ستار المحبة والحنان.
وعلى عكس من ذلك أن الأب مع شدة محبته ووده وحنانته مع الولد تارة يزجره وأخرى يضربه حتى لا يتجرأ على جريمة أكبر مما ارتكبه مبدئيا لأن النار يضرم بالجمرة، ويشعل بالشرارة، يعامله بالعنف والقسوة أيام الدراسة ليستقل في أموره بوفور علمه، ولا يتكل على غيره ويتضيق على تأخره في الرجوع إلى البيت ليلا خوفا على فقدان صحته وضياع مستقبله واضمحلال أقدامه في المجالس، بل وإن محور رحى أمنيات الأب مستقبل الولد منذ نعومة أظفاره إلى آخر لحظة حياته.
وأقول استطرادا آخر! كما تسطع محبة الأم من عينيه وتبدو حنانتها من حركاته وأفعاله، هنالك تلمح كنز محبة وحنانة الأب وراء سبعة ستائر، الغضب، الزجر، الشدة، الطرد، التتابع، السخط، والضرب، هذه الستائر المسبلة يتدرج الولد على درجات السلم إلى أن يعثر على الكنز المفقود رغم كرهه معاملة الأب.
في شبابنا كنا نظن أن والدنا أظلم الناس في العالم بسبب شدة معاملته وضربه على كل هب ودب في ظننا، وأشحن الناس في البخل أنه لا يعطينا ولو مصرف جيبي، ولكن اليوم عند ما نرى أترابنا وزملائنا متدخنين السجائر وشاربين الخمر، فتنكشف غطاء الغفلة من أعيننا أننا ما نجونا من هذا المأزق إلا ببركة ما كنا نظنه الظلم والشح، فالحمد لمن وفق أبانا بالخير ونجانا من الذل والخذلان من بين الأقران وأوصلنا إلى المناصب يفتخران بنا الأبوان.
أنشدك الله هل تعلم أن الأبوة تموت رغم حياة الأب بعد ما يستقل الولد في تنفيذ أموره وكثيرا ما يمتنع أبوه من عقابه بعد ما يبلغ أشده ويصير شابا خوفا من ردود فعله ومناقشته التي تصعق عليه كصاعقة القيامة الكبرى...!
لاغضاضة أن الأب لا يسبل ستار الضرب والزجر إلا لينور مستقبل الابن ويستقل الولد في تنفيذ أموره إذا كبر، ولا يتعود على ما يسوء خلقه ويضر مستقبله.
وإذا اتخذ الأولاد القرار بآرائهم وما استشاروا الأب إلا لإتمام الحجة عليه فهذا الأب العجوز يبقى حيا قالبا وروحا، لا قلبا وغيرة، يا ليتنا نعرف أن بقاء أبوة الأب في إقامة حجة الأب على الأولاد، وليست في إقامة حجة الأولاد على الأب.
وكيف بك أن تقارن بين محبة الأم ومحبة الأب، لأن الأم تظهر محبتها بتقديم الماء للسقي إذا كنت عاطشا والأب يظهر محبته بالزجر والضرب لو طالبته بشيء خوفا أن تصبح اتكاليا على غيرك.
بما أن الأب كان يمتلك السلطة لحياتنا بل وإنه كان يستخدم سلطاته على كيفه عند ما كنا صغارا، لذا إنني أبذل قصارى جهدي أن لا شعر أبي بأننا صرنا كبارا، ولا نحتاج إلى إرشادك، ولا إلى مساعدتك، أطالبه بالمبلغ تارة رغم تواجد المبلغ، وأخرى أستأذنه قبل المشاركة في حفلة أو مجلس ما، وأتضرع إليه مسبقا لو كنت أخشى على تأخري عند الرجوع ليلا، ومثل هذا اليوم أيضا آخذ يد الوالد عند عبور الشارع مسرح أنظاري إلى من حولي على طرفي الشارع مبتسم فخر باتكالي على الأب.
لا غرو أن محبة الأب لا تطالب الأولاد بشيء سوى تفويض سلطات الأبوة، ثم بعد تفويض السلطات لو صار الأب عجوزا مسنا أو طريح الفراش، فلا يتمنى شيئا غير تفويض هذه السلطات في آخر أيام حياته، فأيتها القاري إن كان أبوك على قيد الحياة وحي يرزق، فمتعه بتسلم سلطته عليك، لأنها من حق الأبوة عليك! لقد قيد خير الأنام –صلى الله عليه وسلم- رضى الرب برضى الوالد وقال: "رضى الرب في رضى الوالد وسخط الرب في سخط الوالد".