أدركونا قبل فوات الأوان!
حسين محمد نعيم الحق(*)
نشرتْ وسائل الإعلام المتنوعة ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة حادثة طريفة غريبة، طريقة حقاً وغريبة حقاً، وهي: إن حارس جامعة التجارة والزراعة والتكنولوجيا العالمية بدكَّا منع طالباً من دخول الجامعة؛ لأنه لبس الثوب والقنسوة! وقد حاول الطالب إقناع الحارس بأن الجامعة ليس لها زي خاص بالطلاب، ولكن الحارس لا يقتنع بقوله، ولم يسمح له بالدخول، فرجع الطالب أدراجه إلى البيت!
http://www.bdfirst.net/newsdetail/detail/200/165011
حدثتْ هذه الحادثة في مجتمعٍ أكثر من 85% من سكانه مسلمين، وأكثرهم يعتزون بدينه، ويفتخرون بانتمائه الإسلامي، وكثير منهم يلتزمون بأوامر دينه ونواهيه في جميع شؤون حياته بفضل الله تعالى وتوفيقه، ولكن الذين ابتلوا بداء الغزو الفكري والاستعمار الثقافي، وصاروا يفضلون الانتساب إلى غير الآباء والأمة، فرفعوا راية العَلمانية، وفصل الدين عن الدولة، والاختلاط في التعليم، والجريان وراء السادة الغربيين، والتصديق بكل ما جاء من وراء حوض البحر المتوسط الشمالي، والعض عليها بالنواجذ دون نظر أو تفكير، لا يهمهم قانون؛ لأنهم صانعوه، ولا دين؛ لأنه حاقدوه.
وإذا كانتْ بوابة الجامعة المذكورة تستقبل العاريات والكاسيات والمائلات والمميلات، والشذَّذ، وتدخل منها من لبس الملابس التي تشبه الملابس الداخلية بحجة عدم وجود زي رسمي معتمد من الجامعة، فلماذا يُمنع فيه من لبس الثوب والقلنسوة؟ ألكونها ملابس العلماء والصالحين وأصحاب العفة والنزاهة؟ فيعافون منها كما يعاف الغراب الطاووس، أم لكونها ينتمي إلى الإسلام، ولو من بعيد؟ وإذا كان هؤلاء يصرخون في المنصات العامة والمجالس الخاصة بحرية التفكير والعقيدة والكلام، والتنقل فلمِ هذا الخناق والتضييق على الملابس؟
لا أتحدث هنا عن كون الثوب والقنلسوة لباساً إسلامياً بالمصطلح الفقهي، فليس للإسلام لباس إسلامي خاص، لا بد من ارتدائها ولبسها في الانفراد والاجتماع، ولكن الإسلام وضع قواعد وضوابط للباس، لا بد من مراعاتها حتى يكون اللباس مقبولاً ولبسه محمودا في نظر الشرع، منها: ستر جميع العورة من الجسم، مع مراعاة الفارق بين النساء والرجال، وأن يكون اللباس فضفاضا بحيث لا يصف الجسم، وسميكاً بحيث لا يتبين أعضاؤه، وألا يكون لباساً خاصاً لقوم كفار، وألا يكون فيه تشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال، وغيرها من الضوابط التي ذكرها العلماء في كتبهم، وليس هذا موضع بسط الكلام فيه، ولكن المسلمين في شبه القارة الهندية، منها بنغلاديش، درجوا على أن يكون الثوب والقلنسوة والعمامة، في بعض الأحيان، لباس العلماء والصالحبين والملتزمين بالدين دون تقييد أو إلزام، ولعلَّ القاعدة الفقهية (العادة محكمة) تصحُّ في مثل هذا الموضع.
والغريب من تصرفات هؤلاء أنهم يرمون العلماء والصالحين والملتزمين بالدين بالتعصب، وضيق الأفق، والانغلاق، وعدم الانفتاح أمام العالم الواسع الفسيح، مع أنهم من يدللون على صدقها فيهم، والتزمهم بها، وإذا كان هؤلاء الغرباء لا يستطيعون أن يتحملوا من المسلمين أقل حقوقهم الدينية والمدنية، وهو اللباس، فلماذا كل هذه الادعاءات والصراخات والتبججات بالحرية والكرامة وحقوق الإنسان؟ أليسوا هم من يخلقون المشاكل والمصائب التي تجرّ البلد والمجتمع إلى تنابز، وتشاجر، وتهاجر، وتناحر، ثم إذا استنكر المسلم، الغيور على دينه، هذه التصرفات وندَّدوا بأصحابها يرمونه بالتخلف والرجعية وضيق الصدر وقلة الصبر! وهل يريدون منه أن يقضوا على آخر لبِنات دينه ثم يبقى ملتزماً السكوت والصمت؟ أليس البادئ أظلم؟ أليس سارق الشرف والعفة والكرامة أشر من سارق المال والثروة؟
أليس غريباً أن يبوح الفاجر في دينه، والمارق على قواعد الخلُق بكل ما يريد ثم يُستقبّل استقبال الأبطال الأبرار، هل نسيتم جرائم اللاعب رُوبيل والفنانة هِيفِي؟ ولماذا إذا أراد المسلم المتلزم أن يمارس شعائر دينه وآداب إسلامه وحقوقه الشخصية المدنية يُرمى بحجارة من سجيل؟ لماذا؟
لماذا يجوز لهم ما يحرم على غيرهم؟ ولماذا يباح لهم ما يُمنع منه غيرهم؟ ولماذا يسمح لهم بما يُرفض من غيرهم؟ أليس البلد لنا ولهم واحداً؟ أليس القانون المطبَّق علينا وعليهم واحداً؟ أليستْ الحكومة التي تحكمنا وتحكمهم واحدة؟ أين وحدة القانون؟ وأين الموضوعية في تطبيقه؟ وأين وحدة جِهة القضاء؟ وأين وحدة الميزان والكفة؟ وأين مساواة الطلاب أمام قانون الجامعة؟
أليستْ هذه المبادئ مما يؤمنون بها وإنْ كفروا بشرائع ديننا، وأحكام فقهنا؟
وحين يتأصَّل الفساد، أيّاً كان نوعه، في المجتمع، ويتمكن داؤه في قلوب أكثر أفراده، يتحرر المجتمع من قيود الدين، وقواعد الخلُق، وضوابط الفضيلة رويدا رويدا، فتنتشر الرذيلة، والفحشاء، والانحلال الخلُقي، والمنكرات بجيمع صورها في بيوته وأسواقه، ومجالسه، ومؤسسات تعليمه، ودوائر حكومته، وحتى الشوارع العامة وطرق المارة لا تسلَم من هذه الأدواء والجراثيم التي تنخر في أسُس المجمتع وأعمِتده، وحين يتقدم المجتمع في هذا الطريق دون مبالاة أو انتباه، ويتمادى في هذا التيه قدُماً، فلا وازع يعظهم، ولا رادع يردعهم، ولا خلُق ينصحهم، ولا دين يمنعهم، فيأذن هذا المجتمع بانهياره وانهدام بنيانه، نعوذ بالله من أن تصل مجتمعاتنا إلى هذا المصير المخزئ، ويحفظنا من شروره وويلاته، آمييين.
فنرجو من شيوخنا وعلمائنا وقادتنا وأولياء أمورنا أن يدركوا شبابَنا وأخواتِنا، وطلابَ مدارسنا وجامعاتنا وطالباتِها، وأن يدركوا آداب الدين وقواعد الخلُق قبل أن يصول عليها صائل مارق سارق.
____
(*) طالب الدراسات العليا بجامعة قطر. وطالب جامعة دار المعارف الإسلامية شيتاغونغ، بنغلاديش سابقا